القانون
القانون المدنى الأحوال الشخصية
1- التــبني
قد كانت فكرة الحياة في العالم الآخر تسيطر إلى حد بعيد على عقول المصريين ، الذين كانوا يعتقدون أنها تتصل اتصالاً وثيقًا بالمحافظة على الجسد وتتوقف على القرابين التي يقدمها الأحياء .
وكان الإغريق أيضًا يعنون بالحياة الأخرى وإنما بدرجة أقل من المصريين ، ألا أنهم كانوا جميعًا يعتمدون على وفاء سلالتهم في توفير الحاجات اللازمة للمحافظة على كيانهم من أجل الحياة الأخرى .
وقد ساهم هذا الاعتقاد في العمل على ضمان وجود النسل الذي يوفر المطالب الضرورية لموتى الأسرة .
وبرغم اهتمام المصريين بأن تكون لهم ذرية ، فإنه يبدو أنهم لم يلجأوا إلى تبني الأولاد ، لكنها الوسيلة المألوفة عند الإغريق من أجل إيجاد ذرية للعاقرين بطريقة اصطناعية .
ولا غرو في إن تبني الأولاد كان نوع من أنواع البيع ، وقد كان القانون المصري يحرم على الآباء بيع أبنائهم ، فسهولة الطلاق وزواج المتعة أو التجربة والاعتراف بالأبناء الذين ولدوا قبل الزواج ، كل ذلك وفر للمصريين وسائل متعددة للحيلولة دون انقراض النسل .
2- الزواج والطلاق ومكانة المرأة
الفارق بين التشريعين المصري والإغريقي يبدو لأول وهلة في تنظيم الأسرة ، فالشواهد كثيرة على أن المرأة كانت تتمتع في مصر بمكانة اجتماعية وقدر من الاستقلال لم تعترف بهما الشرائع للمرأة الإغريقية .
فعند الغربيين لم يعترف القانون إلا بالطفل الذي كان قبل كل شيء ابن أو ابنة الأب الشرعي ، على حين أن القانون المصري كان يعلق أعظم الأهمية في مسائل البنوة الشرعية والوراثة على الأم التي أنجبت الطفل ، وهذا يبدو غريبًا في جماعة لم يحظر فيها القانون تعدد الزوجات إلا على الكهنة ، لكنه إذا كان القانون المصري يبيح تعدد الزوجات ، فإن الوثائق الديموطيقية من عصر البطالمة تدل ، بما فيها من الالتزامات نحو الزوجة وأطفالها ، على أنه كان يتعذر فعلاً على الزوج أن يتخذ أكثر من زوجة واحدة .
و توجد أمثلة لتعدد الزوجات بين المصريين قبل عصر البطالمة وفي أثناء هذا العصر ، وعند الإغريق أيضًا لم يحظر تعدد الزوجات القانون ، وإنما العرف والرأي العام والنص على ذلك في عقود الزواج .
و الزوج كان يعد في عقود الزواج المصرية بإطاعة زوجته ، و الرجال في مصر كانوا يقومون ببعض الأعمال في البيت مثل النسيج بينما تخرج النساء لتكسب قوت الأسرة ، فلا شك في أن ذلك من باب المغالاة ، لكنه يدل على الأقل على المكانة السامية التي كانت تتمتع بها المرأة المصرية ، وإلى أي حد كانت العادات المصرية تبدو غريبة في نظر الإغريق . و وثائق كثيرة توضح أن الزوج كان يضع نفسه كلية في قبضة زوجته وينزل لها عن أملاكه قائلاً : "أنت التي ستعنين بي في حياتي، وإذا مت فأنت التي ستتولين أمر دفني ومقبرتي".
وقد كانت المرأة المصرية لا تتزوج إلا بمحض إرادتها وبشروط كانت عادة ثقيلة على الزوج ، إلى حد أنها رأينا كانت تجعل تعدد الزوجات أمراً متعذرًا في الواقع وإن كان مباحًا في الشكل ، وكانت تستطيع أيضاً الانفصال عن زوجها متى شاءت ، وأن تطالب زوجها إذا طلقها بالصداق الذي وعدها به في عقد الزواج ، وأن تتصرف تصرفًا كاملاً في أموالها .
فالقانون كان يخول للمرأة المصرية أن تتصرف في نفسها وفيما تملك دون أي قيد أو شرط ، وذلك على خلاف المرأة الإغريقية ، فقد كان القانون يعتبرها قاصرًا ويفرض وجود وصي شرعي عليها في كافة تصرفاتها .
لكن المرأة المصرية لم تنعم طويلاً بهذه الحرية في عهد البطالمة ، فإنهم على الرغم مما أدعوه من احترام التقاليد المصرية رأوا أن يساووا بين المرأة المصرية والمرأة الإغريقية ، وذلك دون شك لكي لا تتبرم الإغريقية وتضيق ذرعًا بحالتها إزاء ما كانت تنعم به المصرية من الحقوق .
ووفقًا لأحكام القانون الأغريقي كانت المرأة تخضع قبل الزواج لولاية أبيها، وبعد الزواج لوصاية زوجها ، ومن بعده لوصاية ابنها أو أبيها أو جدها أو أخيها ، ولما كان الابن الرشيد يصبح وصيًا على أمه ، فلا بد إذن من أنه إذا فقدت الفتاة أباها وكان لها أخ رشيد ، فإنه هو الذي كان يصبح وصيًا عليها بعد وفاة الأب .
وتشير القرائن إلى أنه حين ساوى البطالمة بين المرأة المصرية والإغريقية من حيث اعتبارها قاصرًا ، أدخلوا على القانون المصري الأحكام الإغريقية الخاصة ببيان الأوصياء على المرأة ، ولاسيما أن أولئك الأوصياء أقرب أقاربها وأحق الناس بالولاية عليها ، وإذا لم يكن للمرأة وصي ممن ينص عليهم القانون أو وصية أبيها ، فإنها كانت تلجأ إلى السلطات المختصة لتعين لها وصيًا ، وكان يجب أن يكون الوصي من جنسية المرأة .
وكما تأثر القانون المصري بالقانون الإغريقي في حالة الوصاية على النساء ، تأثر به كذلك في حالة الوصاية على القاصرين من الصبيان ، وفي هذه الأحوال أيضًا كان يشترط أن يكون الوصي من جنسية القاصر ، وكان يمكن أن يتولى الوصاية على الصبية الرجال وكذلك النساء .
في حالة الإغريق كان والوصاة يخضعون في تصرفاتهم لرقابة محاكمة القضاة الإغريق وفي حالة المصريين لرقابة محاكم القضاة المصريين .
وكانت مدة الوصاية على القاصرين تنتهي في حالة الصبية عند بلوغ الرابعة عشرة من عمرهم ، أما في حالة الفتيات ، فإن الوصاية عليهن كانت لا تنتهي بالزواج وإن كانت تنتقل عندئذ من الوصي الأصلي إلى الزوج .
وقد كان القانون المصري يبيح زواج الأخ من أخته ، ولم يعترض البطالمة على ذلك بل شجعوا هذه العادة بما فعلوه أنفسهم ، على حين أن قانون أثينا كان يعتبر مثل هذا الزواج رجسًا فاحشًا ، وإن كان يبيح زواج الأخوة إذ لم يكونوا من أم واحدة .
ويعتقد كثيرون أن القانون المصري كان يعترف بنوعين من الزواج يدعو العلماء أحدهما "الزواج الكامل" والآخر "زواج المتعة" أو التجربة ، ومنشأ هذا الاعتقاد هو وجود هذين الاصطلاحين في وثائق عصر البطالمة ، إلا أن ذلك لم يقض على فكرة وجود نوعين من الزواج عند المصريين .
ويفسر الزواج الكامل بأنه زواج يثبت وجوده عقد رسمي ، يتضمن الوعد بأن يحيا الطرفان معًا حياة زوجية ، وكذلك شروطًا خاصة بالصداق وغير ذلك من العلاقات المادية بين الطرفين ولاسيما حقوق الأولاد .
أما زواج المتعة فيفسر بأنه زواج مؤقت يرى البعض أنه لم يكن مصحوبًا بعقد ، على حين يرى البعض الآخر أنه كان لهذا الزواج أيضًا عقد ، غير أنه لم يتضمن التزامات دائمة بين الطرفين .
ونحن نرى أنه ليس من المستبعد أن إتمام الزواج عند قدماء المصريين كان لا يتطلب في أبسط مظاهره أكثر مما تقضي به الشريعة الإسلامية السمحاء من أن يقبل الطرفان الزواج من بعضهما بعضًا، لكنه لإثبات حقوق الزوجة والأولاد أصبح يتعين تحرير عقد ، و زواج المتعة أو زواج التجربة كان يستبدل به زواج كامل في بعض الأحيان ، ولعل ذلك كان يحدث إذا ثبت نجاحه من حيث صلاحية الزوجة أو مقدرتها على إنجاب الأطفال ، وعندئذ كان يحرر عقد زواج كامل .
ووثائق الطلاق بسيطة في معناها ، فإنها كانت تحرر على نمط الخطابات ومن صورتين تعطي أحداهما لكل من الطرفين ، وكان لا يذكر في هذه الوثائق سبب الانفصال ، بل يكتفي بالنص على أنه لم يعد لأحد الطرفين حقوق على الطرف الآخر ، مع التعهد بألا يقاضي أحدهما الآخر ، والاعتراف بحرية كل منهما في أن يعقد زواجًا جديدًا، وبيان حقوق الأطفال الذين أنجبهم الطرفان .
ويتبين من العقود الإغريقية أن الصداق كان يتألف عادة من مبلغ من المال ، أو من ملابس ومجوهرات ، أو في بعض الأحيان من مجوهرات وملابس ومبلغ من المال أيضًا ، ويبدو أن ملابس الزوجة ومجوهراتها كانت على نوعين : فإن أحدهما كان يعتبر جانبًا من أملاك أسرتها بسبب قيمته الكبيرة ويمثل الصداق أو جزءًا منه ، وكانت قيمته تقدر بدقة ، وكان الزوج يعتبر مسئولاً عنه إذا مسه سوء أو نقصت قيمته ، أما النوع الآخر ، فكان أقل قيمة وتستخدمه الزوجة في حياتها اليومية ويعتبر ملكًا خاصًا لها ولم يعتبر جزءًا من الصداق ، وكان الزوج لا يحاسب عليه .
وقد كان الصداق يلعب دورًا هامًا جدًا في عقود الزواج الإغريقية ، حتى أن "عقود الاتفاق" لم تكن في الأصل أكثر من إيصال باستلام الصداق يعطيه الزوج لأبوي الزوجة أو للزوجة نفسها ، فالصداق كان يعتبر ملكًا خاصًا للزوجة وأسرتها يرد إليها إذا طلقت ، ويؤول بعد وفاتها لوارثيها . و كان يحق لكل من الزوجين أن يرث الآخر ، وكان يضمن استرجاع الصداق طرف ثالث أو أملاك الزوج ، وكان القانون يعطي الزوجة وذويها حق الرجوع على أملاك الزوج وشخصه في حالة عجزه عن رد الصداق .
وفي بعض الأحيان ، كانت الزوجة تملك أيضاً أملاكًا أخرى كالعبيد أو العقار من وقت سابق على الزواج ، أو منذ الزواج نتيجة لتقديمها هدية من أحد أقاربها بمناسبة الزواج . وفي الحالة الأولى كانت الممتلكات تذكر في وثيقة الزواج ، لبيان حق الزوج في استغلالها ، وبيان مآلها في حالة الطلاق أو في حالة وفاة أحد الطرفين ، أما في الحالة الثانية فإنه كان يضم إلى وثيقة الزواج عقد الهبة ، مع بيان حقوق الزوج ومآل الأملاك في حالة الوفاة أو الطلاق ، وفي حالة وفاة أحد الزوجين كانت الأملاك تؤول إلى الآخر والأولاد ، أما إذا لم يوجد أولاد فإنه كان يحق لأحد الطرفين أن يرث الآخر .
ومما يجدر بالملاحظة أن الإغريقيات كن يتزوجن في سن مبكرة جدًا ، فهناك زوجات كانت تتراوح سنهن بين الثانية عشرة والعشرين ، أما الرجال فيوجد مثل واحد لزوج كانت سنه خمسة عشر عامًا ، على حين أن الأمثلة الأخرى هي الأشخاص تزيد سنهم على العشرين ، ومن ثم كان سن الزوج عادة أكبر من سن الزوجة ، وقد كانت أم الزوجة تنوب عنها على الدوام تقريبًا في تحرير عقد الزواج ، وفي بعض الأحيان كان أبوها هو الذي ينوب عنها ، وفي أحيان قليلة كان الأبوان معًا يقومان بذلك . وفي عدد من الحالات الزوجة تتعاقد بنفسها مع الزوج ، وإنما مع وجود وصي ، أما الزوج فإنه قلما كان لا يتولى التعاقد بنفسه .
أن سكان مصر في عصر البطالمة كانوا يتألفون من ثلاثة عناصر رئيسية ، وهي الإغريق وفرس السلالة والمصريون . ويبدو التزاوج بين هذه العناصر كان بوجه عام نادرًا ، لكنه ليس معنى ذلك أنه لم يحدث أي تزاوج بين هذه العناصر ، ويعتقد البعض أنه في مثل هذه الزيجات كان الناس يلجأون إلى نظام خاص للتوثيق .
وقد كان يحرر عقود الزواج المصرية ، وكذلك سائر العقود الديموطيقية ، كتبة مصريون ينتمي أغلبهم إلى فئة الكهنة ، وكان يطلق عليهم بالإغريقية مونوجرافوي (Monographoi) ، أما العقود الإغريقية فقد كان يحررها كتبة عاديون ، أما لعقود التي كان فيها أحد الطرفين مصريًا والآخر إغريقيًا ، فإنها كانت تحرر وفقًا للقانون المصري أو الإغريقي تبعًا لما يستقر عليه رأي الطرفين ، ويتبين نوع الاختيار من اللغة التي حرر بها العقد .
3- العبيــد
كان القانون في عهد البطالمة يفرق تفرقة واضحة بين الأحرار والعبيد ، وكان العبيد في ذلك العهد ثلاث فئات وهي : عبيد الملك وعبيد الأفراد وعبيد المعابد .
ويرد القانون الإغريقي العبودية إلى أربعة أسباب. كان أقدمها وأكثرها شيوعًا الأسر في الحرب ؛ وكان ثانيها أمرًا غير مشروع وهو خطف الأحرار واستبعادهم عنوة ، وكان ثالثها اعتبار أبناء الإماء عبيدًا سواء أكان آباؤهم أحرارًا أم عبيدًا ، وكان رابعها التقاط الأولاد الذين وأدهم ذووهم وتربيتهم عبيدًا ، وفضلاً عن ذلك فإنه في عصر البطالمة كان العجز عن الوفاء بالدين يمكن أن يؤدي إلى الاستبعاد .
وكان القانون المصري يعتبر أبناء العبيد عبيدًا ويعترف بحق الشخصي في بيع نفسه أو أبنائه في سوق النخاسة ، وكان أكبر أثر للتشريع الإغريقي على التشريع المصري في مسألة العبيد ، وبيان ذلك أن ما جرى الإغريق عليه من التقاط الأولاد الذين وأدهم ذووهم لتربيتهم عبيدًا واعتبار أبناء الإماء عبيدًا أصبحا شائعين بين المصريين في عصر البطالمة ، وكذلك الوسائل الإغريقية المختلفة لتحرير العبيد ، أما بالوصايا أو بالهبة أو بالبيع لأحد الآلهة أو بإعلان تحريرهم رسميًا.
ويجب النظر إلى علاقة العبد بسيده من ناحيتين: وأحدهما الناحية الشخصية ، والأخرى الناحية العينية ، وكان العبد يعتبر ملكًا شخصيًا لسيده وجزءًا من ممتلكاته ، وكان من حق السيد تسمية عبده وتأديبه واستغلال كفايته حسبما يتراءى له ، والتصرف فيه وفقًا لأحكام القانون أما بالبيع أو الرهن أو التوريث ، ومن ناحية أخرى كان العبد يستطيع مباشرة تصرفات صحيحة قانونًا بالنيابة عن سيده مثل البيع وقبول الأموال واستلامها .
فالعبد كان من الناحية الشخصية يعتبر نوعًا من أنواع المتاع ، أما في المعاملات المالية فإنه كان يعامل معاملة الأشخاص العاديين .
ومن ناحية القانون الإداري كان العبد يسجل باعتباره ملكًا لسيده كان نوع آخر من أنواع المتاع ، و كان تفرض عليه ضريبة الامتلاك ، وعند بيعه ضريبة البيع ، لكنه من ناحية أخرى كان كأي رجل حر يستطيع أن يصبح عضوًا في إحدى الجمعيات .
و كان السيد يعتبر مسئولاً عن جرائم عبده ، لكنه كان يستطيع التخلص من مسئولية دفع الغرامة بتسليم عبده ليعاقب ، و كان يمكن توقيع العقوبة على شخص العبد ، لكنه كان في وسع سيده افتداؤه من العقوبة بدفع الغرامة .
4- القانون المصري والقانون الأغريقي
كانت لمصر عاداتها وقوانينها منذ عهود بعيدة تسبق بقرون عديدة الفتح المقدوني الذي حمل في ركابه الإغريق بعاداتهم وقوانينهم وقد رأى البطالمة في حكمتهم أن يتجنبوا بقدر ما تسمح أحوال الحكومة الجديدة المساس بما ألفه المصريون من العادات والقوانين .
فكانت تطبق على المصريين قوانينهم التقليدية ، التي أطلق الإغريق عليها اسم "قوانين أهل البلاد" (choras nomoi أو enchorios nomos) وقام البطالمة فيما يبدو بتدوينها ونشرها ، أو لم يدخلوا عليها إلا تعديلات طفيفة اقتضتها إعادة تنظيم الدولة .
أما الإغريق فيبدو أنهم كانوا ثلاث فئات وهم : فئة مواطني المدن الإغريقية ، وفئة أعضاء الجمعيات القومية ، وفئة الإغريق المنتشرين في مختلف أنحاء البلاد ولم يكونوا مواطنين في المدن الإغريقية ولا أعضاء في جمعيات قومية .
يتضح من بردية مشهورة (F. Halensis) أن قوانين الإسكندرية اتخذت من قوانين أثينا نموذجًا لها .
ولما كان لكل مدينة وجمعية مجموعة قوانينها الخاصة فقد كان طبيعيًا أن تختلف هذه القوانين عن بعضها بعضًا ، ومع ذلك فإن قوانين المدن والجمعيات الإغريقية كانت جميعًا إغريقية ويظهر فيها بوضوح أثر المدن الأيونية والدورية والأيولية التي وفد منها المهاجرون الإغريق على مصر ، من أجل التنسيق بين هذه القوانين ، وكذلك من أجل تنظيم معاملات الإغريق الذين لم ينتموا إلى تلك المدن والجمعيات .
كان البطالمة يصدرون قرارات وأوامر ومنشورات مختلفة الأنواع ، ولا جدال في أنه حيث كانت هذه القرارات والأوامر تختلف مع أي قوانين قائمة كانت الغلبة للإرادة الملكية .
و كان يتعين محاكمة المتخاصمين الإغريق وفقًا لتعليمات الملك ، أما في الحالات التي لا تشملها هذه التعليمات فتكون المحاكمة وفقًا "لقوانين المواطنين" .
ولا جدال في أن قوانين المصريين كانت مصرية في جوهرها وقوانين الإغريق إغريقية في جوهرها ، ومع ذلك فإنه إزاء تشابك مصالح الفريقين ومعيشتهما جنبًا إلى جنب في بلد واحد يهيمن عليه ملك واحد يقبض على كل مصادر السلطة فيه ، لم يكن هناك مفر من أن تتشرب إلى قوانين كل من الفريقين بعض مظاهر قوانين الفريق الآخر .
وتظهر الفوارق بين القانون المصري والقانون الإغريقي وكذلك بعض ظواهر التفاعل بينهما في النواحي الرئيسية في كليهما :
• الزواج والطلاق
• سلطة الأب وحقوق الأبناء
• التبني
• الوصاية والهبات
• العبيد
5- الوصاية والهبات
قد كان الاهتمام بالمستقبل يدفع المصريين ، الذين كانوا في سعة من العيش ، إلى التصرف فيما يملكون ، وهم على قيد الحياة ، بتقسيم أملاكهم واتخاذ الاحتياطات اللازمة لضمان الاتفاق على الطقوس الخاصة بهم بعد مماتهم ، فالقانون المصري لم يعترف بالوصايا وذلك على عكس القانون الإغريقي الذي كان يبيح ترك وصايا يوزع الموصي بمقتضاها كل أملاكه أو بعضها بعد وفاته بشرط عدم تخطي أبنائه ، وقد كان المصريون يستطيعون الاستفادة من ذلك وترك وصايا إغريقية .
و إذا توفي الأب دون ترك وصية ، أو في حالة المصريين إذا لم يكن قد قسم أملاكه وهو على قيد الحياة بين أبنائه ، فكان القانون المصري يرتب الورثة طبقات ويضع الأولاد في مقدمة ورثة الآباء ، ويقضي بالمساواة في التقسيم بين البنين والبنات ، على أن يخلف الابن الأكبر أباه في الوصاية على الأولاد والبنات القاصرين ، وأن يكون من حقه الحصول على نصيب يعادل ضعف نصيب الأخ أو الأخت الأصغر ، وكان يحق للأحفاد الحصول على نصيب أبيهم إذا توفي قبل جدهم .
وفي حالة عدم وجود وصية ، كان القانون الإغريقي يعطي الأبناء الأسبقية في وراثة آبائهم ، وكانت أنصبة الأبناء متساوية ، لكنه يبدو أن القاعدة المصرية ـ التي كانت تميز الابن الأكبر ـ صادفت قبولاً ولو محدودًا لدى الإغريق وكان لا يحق للبنت مشاركة أخواتها الذكور في الإرث لكنه كان يحق لها الحصول على صداق من أبيها ، أو بعد وفاته ، من أخوتها ، وكانت البنت لا ترث إلا إذا كانت الوريثة الوحيدة ، وفي هذه الحالة كان يتعين عليها أن تتزوج من أقرب أقاربها لتحتفظ بالإرث في الأسرة ، وإذا لم يوجد أبناء أو أحفاد كان الإرث يؤول إلى أحد الزوجين ، أما إذا لم يوجد ورثة مباشرون فإن الإرث كان يصبح من حق أخ المتوفى وأبنائه أن وجدوا وإلا فإن هذا الحق كان يؤول إلى أخت المتوفى وأبنائها ، وفي حالة عدم وجود ورثة كان الإرث يؤول إلى التاج .
ووفقًا للقانون المصري ، كان على الابن الذي يطالب بتركه باعتبارها إرثا من والديه إثبات صلته بالموروث قبل أن يستطيع استلام التركة .
ووفقًا للقانون الإغريقي كان يجب على الوريث قبل تسلمه التركة إثبات أنه ابن شرعي للمورث وإعلان قبوله للإرث .
ويعترف القانون المصري بحق الوريث في التنازل عن إرثه في أثناء حياة المورث وبعد وفاته ، وقد اقتفى الإغريق أثر هذه القاعدة ، مع ملاحظة أنه في بعض الأحيان كان الإرث ينتقل نتيجة لعملية بيع مشروطة بقيام المشتري بسداد ما على التركة من ديون .
ويبدو أن فكرة مسئولية الوريث عن ديون المورث تتفق مع روح قانون الوراثة المصرية ، أما فيما يخص إغريق مصر ، فقد كان المبدأ العام هو أن عبء ديون المورث يقع على الإرث وليس على الورثة فيما عدا الديون العامة ، فقد كان الورثة مسئولين عنها .
وكان القانونان المصري والإغريقي يعترفان بالهبات التي تمنح بمناسبة الوفاة ، لكنه كان ينص في العقود على عدم تنفيذها إلا بعد حدوث الوفاة .
وكانت هذه العادة أكثر شيوعًا بين الإغريق منها بين المصريين . ولم تكن هذه الهبات خاضعة للقيود الخاصة بالوصايا لكنها كانت متأثرة بها.
6- سلطة الأب حقوق الأبناء
كانت كل من الأسرة المصرية والأسرة الإغريقية تقوم على مبدأ سلطة الأب على أفراد أسرته ، ولم تكن هذه السلطة في الواقع ألا نوعا من الوصاية ، وكانت سلطة الأب على أبنائه تنتهي في حالة البنات عند زواجهن ، وفي حالة الأولاد عند بلوغهم الرابعة عشرة من عمرهم ، ففي هذه السن كانت تتاح للإغريق فرصة المساهمة في الحياة العامة بأن يصبحوا أعضاء في أحد الأحياء التي كانت القبائل تنتمي إليها ، وابتداء من هذه السن كانت تفرض على المصريين الضرائب ومن المحتمل أيضاً أعمال السخرة ، وفي بعض الحالات كان المصريون والإغريق يعتبرون أهلاً لأداء خدمات عامة إجبارية حتى وهم قاصرون ، وقد كانت سلطة الأب على أبنائه سلطة شاملة غير محدودة تشمل وأد الأطفال وبيع الأولاد ورهنهم .
وفي القانون البطلمي ، مثل القانون الأتيكي ، كان الابن لا يستطيع أن يقاضي أو يتقاضي مادام قاصرًا ولذلك كان يجب أن يمثله أبوه ، أما الابن البالغ فكان يستطيع ذلك ، أيضًا يستطيع التصرف في أملاكه دون موافقة أبيه ، ويبدو أنه في حالة وفاة الأب أو عدم وجوده كانت الأم تتمتع على أبنائها القاصرين بكل سلطات الأب وحقوقه .
وكان أبناء المصريين الراشدون يستطيعون في حياة آبائهم التمتع بحق الامتلاك تحت مسئوليتهم الشخصية ، وكذلك حق التصرف في ممتلكاتهم ، بل أن الآباء كانوا يحتاجون إلى موافقة أبنائهم من أجل التصرف في ممتلكاتهم و في أي شيء من ممتلكات الأسرة ، حتى أنه كان ينص على هذه الموافقة في العقود ، ولعل منشأ هذا هو ما اعتاد المصريون عليه من منح أملاكهم في أثناء حياتهم لأولادهم ، وتوزيع هذه الأملاك بمقتضى عقد خاص لكل واحد منهم ، ويبدو أن الابن الأكبر كان يتمتع في حياة أبيه بشئ من الوصاية على أخواته الأصغر ، ويبدو أن البنت الكبرى كانت تتمتع أيضًا بهذا الحق على أخواتها الذكور والإناث الأصغر منها ، إلى حرمها البطالمة هذا الحق عندما وضعوا المرأة المصرية تحت الوصاية ، وكان يتعين على الابن الأكبر حماية أخواته الأصغر وتمثيل الأسرة أمام المحاكم ، ولما كان غير مستبعد أن يسئ الابن الأكبر استخدام حقه في تقسيم التركة بين أخواته إذا لم يكن الأب قد فعل ذلك ، فقد جرت العادة بأن يقسم الأب أملاكه بالتساوي بين أبنائه الذكور والإناث .
القانون المدني الأحوال العينية
1- أستخدام العقود في التعامل
كان المصريون لا يستخدمون في معاملاتهم العقود المكتوبة فقط بل الاتفاقات الشفوية كذلك .
ووفقًا لقانون من قوانين بوكخوريس وهو الاسم الذي أطلقه الإغريق على بوكانرنف الذي حكم مصر من حوالي عام 718 إلى حوالي عام 712 ق.م. في عهد الأسرة "الرابعة والعشرين" كان لا يزال معمولاً به في عصر البطالمة ، كان على المدين الذي ينكر أنه تعاقد على دين شفويًا أن يقسم اليمين على صحة ما يقول. وكان ذلك متبعًا أيضًا بين الإغريق، فقد كانوا يستخدمون كذلك العقود المكتوبة والاتفاقات الشفوية في القروض وفي صفقات البيع سواء أكانت مصحوبة بمقدم الثمن أم لا .
وكان من الممكن التعاقد عن طريق وكيل ينوب عن أحد الطرفين المتعاقدين .
ووفقًا للقانون المصري والإغريقي كانت صلاحية العقد تتطلب إتمامه برضاء الطرفين ، ولذلك كان استخدام القوة في ذلك يبطل صلاحية العقد ، وكان يتعين أيضًا توقيع عدد من الشهود على العقد ، وكان عدد الشهود يتراوح بين أربع شهود وستة عشر شاهدًا بحسب أهمية العقد .
وقد كان يحتكر تحرير العقود في عصر الفراعنة كتبة ينتمون إلى الجماعات المقدسة ، وفي عصر البطالمة في مصر العليا ، حيث استمسك كهنة آمون بالتقاليد القديمة ولاسيما أنها كانت تعود عليهم بالفائدة ، كان تحرير العقود المصرية حتى بالديموطيقية وقفًا على الكتبة المقدسين الذين أطلق الإغريق عليهم اسم مونوجرافوي ، أما خارج مصر العليا فإن الكتبة المقدسين لم يحتكروا كتابة العقود ، وكان في وسع المصريين والإغريق الالتجاء إلى فئة من عامة الناس احترفوا هذه المهنة وكانوا يدعون محرري العقود .
2- الإيجــارات
تتضمن الوثائق البردية مختلف أنواع عقود الإيجار ، وهي مع اختلاف أنواعها تتفق جميعًا من حيث أنها من النوع الذي كان لا يتعين إتمامه أمام موظفي الحكومة ، إلا بطبيعة الحال عن استئجار عين يملكها التاج .
وكانت العقود الديموطيقية والإغريقية الخاصة بإيجار الأرض تتضمن وصف العين المؤجرة وأسماء الطرفين المتعاقدين ومدة سريان العقد ومقدار الإيجار المتفق عليه نوعًا كان أم نقدًا أم نوعًا ونقدًا .
وكان ينص في العقد كذلك على حق المؤجر في الاحتفاظ بالمحصول على أن يحصل على الإيجار .
كما كان ينص على أن من واجب المؤجر أداء الضرائب والسماح للمستأجر باستغلال الأرض وجمع المحصول ، وضمان عدم التعرض له ، وتخفيض قيمة الإيجار إذا تعذر استغلال الأرض لسبب خارج عن إرادة المستأجر ، مثل عدم توافر المياه لري الأرض .
وكان ينص أيضًا على أن من واجب المستأجر دفع الإيجار في كافة الظروف والأحوال ورعاية الأرض حتى لا تسوء حالتها ، وتسليمها عند نهاية مدة العقد في حالة تماثل حالتها عند استئجارها .
ومما يستحق الذكر أنه كان في وسع المستأجر أن يؤجر الأرض من الباطن .
وتتضمن الوثائق البردية كذلك عقود إيجار مساكن وحوانيت ومصانع ومخابز وحمامات عامة .
وتحتوي هذه العقود شروطًا تشابه عقود إيجار الأرض، من حيث حقوق وواجبات كل من الطرفين المتعاقدين .
3- الحيازة والملكية
يفرق القانون البطلمي بين الحيازة والملكية ، وكان هذا القانون يعترف بحق الأفراد في امتلاك المنقولات مثل أدوات العمل والماشية وخلايا النحل والعبيد .
أما عن امتلاك العقار فإن الرأي السائد حتى الآن هو أن القانون البطلمي لم يعترف بملكية الأرض الزراعية امتلاكًا حرًا وأن الأرض كانت تنقسم قسمين رئيسيين وهما أرض الملك وأرض العطاء ، وكان الملك يستغل بنفسه أرض القسم الأول ويمنح حق استغلال أرض القسم الثاني لآخرين مع احتفاظه بحق ملكيتها ، غير أنه يبدو من الوثائق البردية أنه كان يحق للأفراد أن يمتلكوا أرض البناء وما عليها من مبان وكذلك بساتين الفاكهة والكروم ، وكان القانون يعترف أيضًا بحق عدد من الأفراد في امتلاك أجزاء معينة في مبنى واحد أو قطعة أرض وكذلك بحقهم في امتلاك عين على الشيوع .
وكان الوسائل المعترف بها لامتلاك عين امتلاكًا قانونيًا هي الشراء والإرث ووضع اليد لمدة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات .
وأيسر السبل لإثبات وتأييد حق انتقال الملكية في جماعة متحضرة هو تحرير عقد يقره الطرفان المتعاقدان وتسجيل هذا العقد وبذلك يمكن الاحتجاج به إزاء أية دعوى يتقدم بها أحد هذين الطرفين أو أي طرف ثالث .
وقد كانت تجبي ضرائب عن كل عقد ينطوي على انتقال ملكية الأملاك غير المنقولة سواء بالوراثة أم بالمنح أم بالبيع ، ولذلك كان يجب تقديم هذه العقود إلى الخزائن الملكية ، لأنها كانت مكلفة بجباية الضرائب المفروضة على حق انتقال الملكية ، وذلك لحساب ملتزمي هذه الضرائب .
وكان مدير الخزانة يذكر في أسفل العقد المبلغ الذي حصله وتاريخ السداد وعبارة موجزة عن نوع التعاقد ، فكان ذلك يكسب العقد طابعًا صحيحًا.
ولعل ذلك كان أبسط أنواع التسجيل ويمكن الاكتفاء به في حالة العقود المحررة بالإغريقية ، فلا يلجأ الناس إلى تسجيل العقد تسجيلاً كاملاً تفاديًا للمصاريف ، وربما كان هذا هو السبب في قلة عدد ما وصل من العقود المسجلة تسجيلاً كاملاً .
4- الـديــون
لضمان تنفيذ العقود بأمانة ، كان المصريون والإغريق يضعون فيها شرطًا يقضي على الطرف الذي لا يحترم العقد بدفع غرامة معينة للخزانة الملكية ، أو كان الدائن يقبل بأن يعامل معاملة المدين للإدارة المالية ، ومعنى ذلك حبسه إذا لم يسدد دينه .
وثمة وسيلة أخرى ، وهي وضع شرط جزائي في العقد كان المدين الذي لا يسدد دينه يعتبر بمقتضاه مدانًا مقدمًا دون محاكمة ، ويتحمل العقوبة التي كانت تفرض في مثل هذه الأحوال ، وكان هذا الشرط التنفيذي يستكمل غالبًا بالنص على صلاحية العقد في كل مكان ، وبتوقيع حارس العقود بما يؤيد ذلك .
ويستخلص من العقود المتعددة التي تشمل هذه الصيغ أن القانون الإغريقي ، الذي كان يألف كل هذه الوسائل في سداد الديون المتأخرة ، قد طبق في مصر منذ بداية عهد البطالمة على النزلاء الأجانب على الأقل ، ولاشك في أنه طبق سريعًا بعد ذلك على كل سكان البلاد ، ولابد من أن الخطوة الأولى في هذا السبيل كانت صدور أمر ملكي ، يتضمن قواعد قانون الدين الإغريقي .
ومن أجل ضمان حقوق الدائنين ، كان القانونان المصري والإغريقي يعترفان بوسائل أخرى قديمة العهد غير تسجيل العقود والنص فيها على أن المدينين الذين لا يسددون ديونهم يدفعون غرامة معيشة للإدارة المالية .
وإحدى هذه الوسائل تشبه "رهن الحيازة" اليوم ، إذ أنه عند عمل القرض كان المدين يقدم بمثابة ضمان عينا تعادل قيمتها بوجه التقريب المبلغ الذي يتعهد الدائن برد العين عند سداد الدين ، وإذا لم يسدد المدين دينه، فإن الدائن كان يطلب إليه ذلك عن طريق رجال الإدارة ، وعند عدم وفائه بما التزم به كان يحرم حق استرداد الضمان وتمنع ملكيته للدائن ، لكنه كان من حق المدين استرداد ما رهنه عند سداد الدين .
وكانت الوسيلة الثانية تتلخص في إعطاء الدائن حق استغلال عين يملكها المدين ويرهنها لديه أو يقرضها له أو يؤجرها له ، وكان دخل العين في الحالتين الأولى والثانية أو إيجارها في الحالة الثالثة يعتبر فائدة للدين ويستخدم في استهلاكه إذا زاد الدخل على الفائدة .
أما الوسيلة الثالثة فهي الرهن وتشبه "الرهن الضماني" اليوم ، وهو في معناه القانوني حق الدائن على عين تبقى في قبضة المدين ، غير أن قيمتها كانت تضمن سداد الدين ، فإنه في حالة عدم السداد كان يحق للدائن بيع العين المرهونة أو الاستيلاء عليها وفاء لدينه حتى ولو كانت قيمتها تزيد على الدين ولقد كانت هذه الوسيلة تستخدم قبل كل شيء في عقود الالتزام .
و الوسيلة الرابعة كانت أيسر من غيرها ، ولذلك يبدو أن الأهالي كانوا يفضلونها ، وهي تماثل "البيع الوفائي" اليوم ، وتتلخص في أن يبيع المدين العين المقدمة ضمانًا لدائنه مع احتفاظ الأول بحق الاسترجاع ، ضمانًا لمبلغ معين ، وبذلك فإن هذين الشخصين قد تنازلا عن أي حق لهما على هذه الأرض بمقتضى ذلك البيع ، وكانت هذه الوسيلة أيضًا مألوفة عند الإغريق مع فارق هام وهو أنه بمجرد عمل العقد كانت ملكية العين تنتقل إلى الدائن ، وإذا سدد المدين دينه كان يتعين عمل عقد جديد لإعادة نقل ملكية العين ، وكان يمكن أن يستخدم لهذا الغرض عين ثابتة أو منقولة .
وكانت الوسيلة الخامسة ، تتلخص في أن يسلم المدين للدائن عقود ملكية عين يملكها وذلك ضمانًا لعدم تصرف المدين في تلك العين إلى أن يسدد دينه ، وكان الدائن لا يكتسب نتيجة لذلك أي حق على تلك العين ، لكنه إذا لم يف المدين بدينه كان في وسع الدائن اتخاذ الإجراءات القانونية لحرمانه ملكية العين أو التنفيذ ضد كل ممتلكاته .
وتتصل بالقروض اتصالاً وثيقًا الفوائد التي تجبي عنها ، وقد حدد أمر ملكي من القرن الثالث فائدة القروض وجعلها 24% في السنة ، وفي أغلب الحالات كان ينص في العقد على الفائدة ، وإلزام المدين بدفع الدين مضافًا إليه 50% منه في حالة عدم الوفاء به في الموعد المحدد، وذلك فضلاً عن الأرباح .
وفي بعض الحالات كان لا ينص في العقد على الفائدة ، وبذلك كان المقترض يعتبر مدينًا بمبلغ أكبر مما اقترضه فعلاً ، وهنا أيضًا إذا حدث تأخير في السداد ، فإن الدين كان يزداد مباشرة بمقدار 50% .
ويبين أنه وفقًا للقانون المصري كان رد عقد القرض للمدين ينهي التزامه قبل الدائن ، أما وفقًا للقانون الإغريقي فإن الالتزام كان ينتهي بسداد الدين ، لكنه لم تلبث أن سادت القاعدة المصرية القائلة بأنه طالما بقى العقد موجودًا فإن الالتزام يبقى قائمًا ، ولذلك كانوا يلجأون إلى عدة وسائل لمواجهة ذلك ، ومنها إلغاء العقد برسم عدد من الخطوط على هيئة صلبان على كل أجزائه ، ومنها أيضًا الحصول على إيصال يتضمن الوعد بعدم المطالبة بالدين .
وقد كانت عقود إيجار الأراضي تتضمن شروطًا شبيهة بما كان ينص عليه في العقود الخاصة بالقروض .
وعندما كان البيع لا يصحبه سداد الثمن والنزول عن حقوق الملكية في الحال ، كان يستخدم بدل العقدين عقد قرض لمدة معينة ، وكان المشتري يعتبر مدينًا للبائع بثمن الشراء .
وقد انتشرت عادة تحرير عقدين منفصلين لكل صفقة بيع مصرية ، إلى حد أن الكتبة الإغريق قد تأثروا بها.
أما فيما يخص الإغريق ، فإنه وفقًا لتشريعات الإسكندرية كان نقل حق ملكية أي عين من شخص إلى آخر يقتضي إعطاء البائع جيرانه ما يعرف بمال الحدود ليتنازلوا له عن حقهم في الشفعة ، ويقرروا أنه يحق له بيع العين وأنه لم يسبق له بيعها إلى شخص آخر ، ويشهدوا على نقل ملكيتها إلى المشتري ، وبعد ذلك كان يدفع كل من البائع والمشتري ضريبة معينة لأمناء الخزانة الذين كانوا يقومون بتسجيل البيع بحسب الحي والوحدة ، لكن هذا النظام لم يلبث أن أدخل عليه تعديل عندما صدر في خلال القرن الثالث أمر ملكي يحظر على أمناء الخزانة تسجيل نقل ملكية أي عين قبل أن يثبت بائعها ملكيته لهذه العين .
وإذا كان الملك قد أصدر للإسكندرية ، برغم استقلالها الذاتي ، تشريعًا خاصًا بتنظيم بيع الممتلكات الثابتة وتسجيلها ، فمن المُرجح أن يكون قد أصدر تشريعًا مشابهًا لنقراطيس وبطوليميس وسائر أنحاء مصر .
وقد كانت عقود البيع الإغريقية في عصر البطالمة تقتفي أثر التقاليد الإغريقية القديمة ، إذ أنها كانت عادة تكتفي بالنص على أن (فلانًا) باع (كذا) و(فلانًا) اشترى (كذا) وعلى الضمانات التي كان القانون الإغريقي يفرضها على الضامنين والوسطاء ، وفي بعض الأحيان ، كان عقد البيع يقرن بعقد تنازل كان البائع يتنازل بمقتضاه عن كل حقوق له على العين المبيعة ، وحوالي آخر القرن الأول قبل الميلاد كانت تستخدم صيغة تجمع بين نصوص عقدي البيع والتنازل .
وقد أخذ المصريون عن الإغريق الطريقة المألوفة لديهم عند بيع العبيد وتتلخص في دفع الثمن وتسجيل انتقال الملكية .
وكان القانون المصري يشترط أن يكون بيع الحيوان بمقتضى "عقد مال ، وفي حالة مطالبة طرف ثالث بالعين المبيعة ، كان البائع مكلفًا بإعطاء المشترى "حيوانًا مماثلاً" أو رد الثمن فضلاً عن مبلغ معين .
أما في القانون الإغريقي ، فإن الشرط الوحيد لإتمام صفقة بيع حيوان كان دفع الثمن ، ولم تكن هناك ضمانات للمشتري ضد أي عيوب بدنية في الحيوان المشتري .
وكان القانونان المصري والإغريقي يعرفان صفقات البيع التي تسلم فيها السلعة فورًا ويسدد الثمن آجلاً . وفي هذه الحالة كان المشتري يحرر صكا أو عقد قرض وهمي بمبلغ يقابل ثمن السلعة المبيعة .
5- الشركات
كان القانونان المصري والإغريقي يسمحان بتأليف شركات تجارية أو صناعية لمباشرة أعمال عامة أو خاصة .
وكانت الأعمال العامة التي تتألف الشركات من أجل مباشرتها تشمل التزام الضرائب واحتكارات الحكومة .
وعلى الدوام ، كانت علاقة الشركاء بعضهم ببعض يحددها اتفاق كتابي يثبت فيه حقوق كل شريك وواجباته ومدة قيام الشركة و في حالة تكوين شركة لالتزام ضريبة ما ، كانت الحكومة لا تتعاقد إلا مع رئيس الشركة لكنه كان يتعين إخطار الحكومة كتابة بكل أسماء الشركاء بوصفهم ضامني الملتزم المتضامنين معه في المسئولية عن التزامه .
ويتبين من "وثيقة للدخل" أنه كان على ملتزم الضريبة الذي يتعاقد مع غيره ليتخذ منه شريكًا له إبلاغ الحكومة فورًا بذلك ليتسنى لها الاتصال مباشرة بالشريك ، وأن الشركاء جميعًا كانوا مسئولين أمام الحكومة عن العجز الناجم عن عدم الوفاء بالالتزام .
وفي حالة التعاقد من أجل مباشرة أعمال خاصة ، كانت الشركة تتألف عادة بعد التعاقد على العمل ، بمعنى أنه كان يتخذ إجراءان أولهما عقد العمل والثاني تكوين الشركة ، ومثل ذلك أن رجلاً استجأر أرضًا ثم ضم إليه شركاء ، وفي عقود إنشاء هذه الشركات أيضًا كان ينص على حقوق وواجبات كل شريك .
ويجب أن يلاحظ أنه كان لا يترتب على تكوين شركة قيام هيئة ذات شخصية معنوية تستطيع التعامل كوحدة واحدة في المسائل القانونية .
القانون الجنائي
ان القانون الجنائي البطلمي كان يفرق بين خمسة أنواع رئيسية من الجرائم وهي :
• الجرائم ضد صوالح الخزانة العامة
• الجرائم ضد الأفراد
• الخيانة العظمى
• سوء استخدام الحقوق
• الجرائم الدينية
أولاً : جرائم النوع الأول فئتان رئيسيتان ، وكانت جرائم الفئة الأولى تتصل بالضرائب وتسمى الجرائم التي تمس دخل الدولة ، وكان يرتكب هذه الجرائم فئات مختلفة من الناس ، ويمكن تقسيم هذه الجرائم تبعًا لفئة مرتكبيها ، فقد كانوا :
أ- دافعي الضرائب الذين كانوا يحاولون التهرب من أداء الضرائب المستحقة عليهم كلها أو بعضها ، ومثل ذلك عدم إعطاء ملتزم ضريبة ما البيانات التي كان القانون يتطلبها أو إعطاؤه بيانات غير صحيحة.
ب- موظفي الإدارة المالية الذين كانوا يرتكبون جريمة من الجرائم التالية :
1. اختلاس ما جمع من الضرائب .
2. إتباع أساليب غير مشروعة في جمع الضرائب، مثل استخدام مكاييل غير قانونية .
3. الإهمال في جمع الضرائب .
4. عدم جمع العجز في حصيلة الضرائب .
5. إغفال موافاة مراقب الحسابات عن ميزان حسابات ملتزمي الضرائب .
6. استخدام أشخاص في عملية التزام الضائب لم ترد أسماؤهم في عقود الالتزام .
7. دفع مرتب الملتزم عن طريقهم مباشرة بدلاً عن الخزائن الملكية.
ج- ملتزمي الضرائب الذين كانوا يرتبكون جريمة من الجرائم التالية :
(1) إغفال تقديم شهادات الضمان للخزائن الملكية .
(2) إشراك أشخاص في التزام الضرائب لم ترد أسماؤهم في عقود الالتزام .
(3) أخذ مرتبهم من الموظفين بدلاً من الخزائن الملكية .
(4) عدم احترام القواعد الخاصة بالتزام الضائب وبشركاء الملتزمين .
(5) إغفال القواعد الخاصة بجباية الضرائب .
(6) إهمال تسوية حساباتهم مع الأويكونوموس عندما يبعث في استدعائهم لهذا الغرض .
(7) إهمال عقد اتفاق مع المزارعين .
( إغفال إذاعة القواعد الخاصة ببيان ما يملكه الأفراد من عبيد .
(9) القيام بعملية الالتزام بالرغم منعدم الصلاحية لهذا العمل.
وكانت الدولة تفرض عقوبة الإعدام على مزيفي المكاييل ، وتصادر ثروة الذين يتهمون بالإهمال في جباية الضرائب ، أو تفرض عليهم دفع غرامة معينة للخزانة العامة ، وكذلك كانت تصادر اقطاعات الذين يقدمون بيانات غير صحيحة عن موارد دخلهم من اقطاعاتهم .
ويبدو أنه كان في وسع أي شخص إقامة الدعوى في الجرائم التي كانت عقوباتها مالية ، فكان يشارك في ذلك الأهالي والموظفون على السواء ، لكنه لوحظ أنه في جرائم التهرب من دفع الضرائب كان ملتزم الضريبة هو الذي يقيم الدعوى والحكومة هي التي تأخذ الغرامة .
أما جرائم الفئة الثانية من النوع الأول ، فكانت تتصل بأرض الملك والاحتكارات وتسمى الجرائم التي تمس أعيان التاج ، ويمكن تقسيم هذه الجرائم قسمين ، وكانت جرائم القسم الأول تتألف من الجرائم التي كانت تمس صوالح الأراضي الملكية ، و سرقة أغنام يملكها وإهمال الموظفين في جمع المحصول من المزارعين الملكيين وإشعال النار عمدًا في محصول الأراضي الملكية ، ومخالفة القواعد الخاصة بالإرغام على استخدام الأراضي الملكية .
وكانت جرائم القسم الثاني تمس صوالح الاحتكارات ، ومثل ذلك الخروج على القواعد الخاصة بأمر من الأمور التالية :
(1) أسعار العطور والبخور
(2) تزويد الإسكندرية بالزيت
(3) حظر انتاج الزيت خلسة وتهريبه
(4) استخراج الزيت في المعابد
(5) الإشراف على أدوات المعاصر وتوفيرها
(6) حظر بيع محصول الحبوب الزيتية لأشخاص أخرين عدا ملتزمي أحتكر الزيت
(7) المواد الخام والبذور
( استخراج الزيت وبخاصة حظر انتقال العمال المشتغلين بهذه الصناعة من مقر عملهم
(9) تسليم معاصر الزيت لملتزمي الاحتكار
(10) الاتفاقات مع العمال.
وفي جرائم القسم الأول كان رجال الإدارة المالية هم الذين يقيمون الدعوى ، وأما في جرائم القسم الثاني فإنه إذا كان الموظفون يقيمون الدعوى في بعض الحالات ، فإنه يبدو أن الملتزم هو الذي كان يفعل ذلك في أكثر الحالات .
ثانيًا : وكان النوع الثاني من الجرائم يشمل الاعتداء على الناس أو ممتلكاتهم أو حقوقهم ، وكانت أخطر جريمة ضد الأفراد هي القتل .
وكان القانون البطلمي ، شأنه شأن القانون المصري ، يفرق بين القتل العمد والقتل غير العمد ، وكانت إقامة الدعوى في هذه الجريمة ، أو على الأقل في محاولة القتل بالسم ، من حق المعتدي عليه وأفراد أسرته إلى حد أنه إذا لم يظهر منهم أحد في المحكمة ليتولى الاتهام ، فإن المتهم كانت تبرأ ساحته .
و القانون المصري كان يعتبر جريمة القتل جريمة ضد المجتمع والدولة ، إلى حد أنه كان يعاقب بالموت كل من رأى جريمة قتل أو تعذيب ولم ينقذ المجني عليه مع أنه كان قادراً على ذلك ، أما إذا كان حقًا عاجزًا عن تقديم المساعدة ، فإنه كان يتحتم عليه الإبلاغ عن المجرمين وإلا كان جزاؤه الجلد والحرمان من الأكل ثلاثة أيام متوالية .
والقانون المصري كان يفرض عقوبة الموت على الذين يرتكبون جريمة القتل عمدًا ، سواء أكان القتيل رجلاً حراً ام عبدًا، و إمعانًا في العقوبة كان المجرم يعذب قبل إعدامه ، وإذا كان القاتل ابن القتيل ، فإنه كان يعدم حرقًا ، وأما الذين يقتلون أبناءهم ، فإنهم بدلاً من إعدامهم كانوا يؤمرون باحتضان جثث ضحاياهم ثلاثة أيام وثلاث ليال على مشهد من الناس وتحت رقابة الشرطة ، وإذا حكم على إمرأة حامل بالإعدام ، فإن العقوبة كانت لا تنفذ إلا بعد أن تضع المرأة طفلها ، و قوانين منف كانت تقضي بأن الذي يرتكب جريمة قتل بغير عمد لا يدخل بيته إلا بعد أن يتطهر من جرمه ويضع قربانًا على مقبرة ضحيته ، وقد كان الملك يستطيع أن يستبدل بعقوبة الإعدام الأشغال الشاقة .
وتلي ذلك من الجرائم التي كانت ترتكب ضد الأفراد ، مختلف أنواع جرائم الاعتداء عليهم ، مثل السب والضرب والتهديد بالضرب ، وكان يؤخذ بعين الاعتبار مدى خطورة إصابة المجني عليه ، وظروف ارتكاب الجريمة ، وكان القانون البطلمي يفرد نصًا خاصًا للاعتداء على الموظفين في أثناء تأدية عملهم ، وكان تقدير الأضرار يبنى على أساس أقوال المجني عليه ، ومع ذلك فإنه كان يمكن ترك ذلك لتقدير القاضي ، وكان يمكن إنهاء النزاع بالمصالحة .
وهناك سلسلة أخرى من الجرائم التي كانت القوة تستخدم فيها كالسرقة بالإكراه ، وابتزاز الأموال ، والطرد عنوة من مسكن ، والحيلولة دون تنفيذ الإجراءات القانونية ، والاعتداء على الممتلكات .
وكان السرقة تعتبر أهم الجرائم ضد الممتلكات ، وكان يزيد من خطورة الجرم عدة ملابسات ، مثل ارتكاب ليلاً ، أو مع حمل السلاح ، أو إشتراك عدد من الأشخاص في ارتكابه ، أو السطو ليلاً على المنازل ، أو انتهاك حرمة معبد’ .
وكان الأفراد المجني عليهم هم الذين يقيمون الدعوى في الجرائم المرتكبة ضدهم ، وإن كان يبدو أنه في حالة الجرائم الخطيرة كانت الدولة تتولى ذلك .
وفي جرائم السرقة كان يحكم برد المسروقات أو بتعويض وكذلك بعقوبة معينة كانت عادة مصادرة أملاك المجرمين ، وفي بعض الحالات دفع غرامة مالية .
و القانون المصري كان يحتم على الذين يريدون احتراف السرقة تسجيل أنفسهم لدى كبير اللصوص وتلسيمه في الحال ما يسرقون ، وبأن الذين يسرق منهم شيء كان عليهم الاتصال بهذا الشخص وإبلاغه عما سرق منهم ، مع بيان الزمان والمكان اللذين وقعت فيهما السرقة ، وبهذه الطريقة كان يعثر على كافة المسروقات في الحال ، وكان أصحابها يستطيعون استردادها بعد دفع ربع قيمتها ، و الدافع على إصدار مثل هذا القانون لأنه كان يتعذر منع الناس جميعًا من السرقة ، ولذلك أوجد المشرع وسيلة لاستعادة المسروقات إلى أصحابها لقاء فدية متواضعة
وتلي السرقة في الأهمية جرائم إلحاق الأضرار بالممتلكات ، مثل إطلاق المياه على الأرض المنزرعة ، والاعتداء على الماشية، وتدمير المحاصيل ، وإتلاف الوثائق ، وقطع الأشجار ، وسد قنوات الري ، وقطع الجسور ، ويدخل في نطاق الجرائم ضد الممتلكات جرائم الخداع والتدليس ، مثل تزوير الوثائق ، والتدليس في المعاملات التجارية، والتعاقد مع أشخاص قاصرين .
ووفقًا للقانون البطلمي كان لا يحق إلا للشخص الذي لحقه ضرر من جراء جريمة من الجرائم سالفة الذكر رفع الدعوى للحصول على تعويض مناسب وكذلك لأنزال العقاب بالمجرم .[/center:4